السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين
نعت الله جل جلاله الفائزين باعتمادهم الكلي على الله، وبالتجائهم إليه في
غير حيلة محتال، بل تذللهم بباب ربهم رفعهم لمرتبة الفوز؛ يقول سبحانه
وتعالى مخبرا عن حال أقوام :
{ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا
فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [المؤمنون : 109 ] فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون : 110] إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [المؤمنون : 111]}
والناس أصناف متباينة، فمنهم المؤمن الخاضع لجلال الله، المنيب إلى ربه
في ذلة وانكسار قلب، العالم بأسباب الفلاح، بأن لا فوز ولا نجاة إلا بإذن الله،
فاتخذ الذلة مطية لذلك، وعكف على باب ربه في انكسار قلب طالبا رحمة ربه
في مغفرة ذنوبه، وراجيا رحمة ربه سباب فوزه.
من هذه الطائفة من أخبرنا الله عنهم في هذه الآية، والمؤمن حين يتذوق
رحمة ربه يهفو إليها بكل فؤاده ويتمناها لغيره.
ومن الناس أيضا من يعتمد على جهده وصلاته، وقيامه، وعمله،
وهي أسباب في حقيقة الأمر تعني الامتثال لأمر الله، لكن حقيقة الذلة
والعبودية من غير تضرع، وذلة، وانكسار قلب، لا تعني شيئا، فهي
أعمال ولدت ميتة، لا روح فيها، ولا خير يرجى، إلا كونها امتثالا
لأمر ربه، نقصته حقيقة العبودية، وعوض أن يدرك الناس هذه الحقيقة
يسخرون من الذين يفوضون كل أمرهم لله جل شأنه، فتعرض الطائفة
المخلصة عن تذكيرهم وتنبيههم.
والله جل شأنه ينوه بطائفة تمسكنت بباب ربها وتذللت له بانكسار قلب
في خشوع وخضوع ومراقبة في السراء والضراء. ولم يكتف سبحانه
وتعالى بإخبارنا عن هذه الطائفة والتي سئمت تذكير المعارضين لمبدئها؛
بل أمرنا كما جاءنا في المثاني أمر صريح وبصيغة التلقين، حتى لا تبقى
بقية عند مشاكس:
{وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون : 118]
ذلك لكون تزكية النفس لا تتأتى بالأعمال الصالحة وإنما تأتي فضلا من الله
ونعمة، والاستجابة لأمر الله بالدعاء رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين
هي نعمة من الله مست العبد فوجب عليه شكرها ليزداد فضلا على فضل.
واقرأ قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [النور : 21].
وما علينا إلا الضراعة لله السميع العليم بأن يمن علينا بتزكية نفوسنا
ويرفعنا الدرجات العلى وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير.
ومن الناس أيضا من لا يلتفت كلية لما سبق، ولا يعيره اهتماما، حتى
إذا مسته المنية عض يد الندامة على ما فرط في حق الله. فلم يكن من المنيبين،
ولم يكن من الأوابين الذين يعودون إلى ربهم في كل حين، والذين يعملون
السوء بجهالة، ثم يتوبون من قريب.
وقد تعهد الله جل جلاله بالجنة للأوابين وللمنيبين إلى ربهم {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [قـ : 31]هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ [قـ : 32]مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ [قـ : 33]ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ [قـ : 34]}
فنسأل الله الواسع العليم الذي يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل
العظيم أن يتكرم علينا بفضله ومَنِّه وكرمه وأن يجعلنا من المنيبين إلى
ربهم ومن الأوابين إلى بابه في كل لحظة وحين.
{وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون : 118]
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليما.
قراته واحببت ان يكون بين ايديكم